دماء المسيحيين من بغداد الى الاسكندريه
شيء مفزع ومقلق ومثير للرعب ما نشهده هذه الايام من حملة تستهدف المسيحيين الشرقيين الذي ظلوا يعيشون بأمان ووئام مع جيرانهم المسلمين لعقود طويله . نراهم اليوم مستهدفين بحملة قتل عشوائيه لا تميز بين صغير وكبير ولا بين ذكر أوأنثى مسالم أو معاد . كلهم صاروا أهدافا مشروعه لتنظيمات متشددة غاية في التشدد مما قطع كل السبل لاي نقاش او حوار معهم او مع قادتهم المختفين اصلا ولا يعرف احد مكانهم . الامر يكاد يكون شبه معضله أخطبوطيه متشابكة يصعب فك طلاسمها على أكبر دهاة العصر الحديث . البداية كانت من شعور الاسلاميين بالتهميش والاقصاء والابعاد في مختلف الدول العربيه مما مهّد لظهور قسم مغال ومتشدد منهم حزم حقائبه وانطلق الى افغانستان للجهاد ضد المحتلين الروس لانه في بلده إمّا مهدد بالاعتقال او مختف او مطارد ، فوجد هناك الارض الخصبة لتطبيق حياة التقشف والزهد ومقارعة الاعداء والموت في سبيل إعلاء كلمة الحق وطرد الغزاة عن أرض المسلمين . كبرت تلك التنظيمات وتوسعت ولم يعد يستوعبها نطاق أفغانستان ، فحملت لواء حربها ضد قوى عالميه كبيره تحس تلك الفئات ان تلك القوى تدعم اليهود في فلسطين وتؤمن لهم شريان البقاء والحياة فوق صدور وقلوب اهل الارض من الفلسطينيين المسلمين ،سواء من حيث الدعم المادي او الحمايه في اروقة الامم المتحده وفي اماكن صنع القرار ، فكانت احداث سبتمبر التى هزت العالم وغيرت مفاهيم الامن والحمايه وخلقت الحروب التى ما زالت مستمرة حتى اليوم .
واذا ما ابتغينا الحياد في تحليل ما يحصل ، وإبتعدنا عن مفهوم الشيطان والملاك في تصنيف المتحاربين ، يمكن تشبيه الحركات الاسلاميه التى تتبنى تلك الاعمال بهرة حبسها شخص في غرفة صغيره فتحولت تلك الهره الى نمر جارح إنقض على سجّانه في اول سانحة ، فأدمى وجهه ويديه وحفر أخدودا في خده بأظافره .
لكن التحول الحاصل اليوم أنّ مسيحيي الشرق المسالمين صاروا كبش فداء في معركة بين طرف خفي وطرف أكثر من ظاهر ، فصار المواطن المسيحي في العراق لا يعرف مكان قتله ولا الساعه التى يقتل فيها ولا شكل وجه قاتله . مما خلق وضعا يهدد المسيحيين إمّا بالفناء التام او الرحيل التام عن هذه الارض التى عرفوها وعرفتهم أرض السلم والامن والرخاء وأرض الديانات المتعايشه المسالمه ، التى لم تعد كذلك الى حين .
المشكله أنه لا مكان للحوار بين الطرفين الا من خلال فوهة البندقيه ، وقذيفة الطائره التى لا تحمل طيار ولا تعرف من تقصف وإنما تسيّر عن بعد مئات الكيلومترات ، ولا مشكلة إن كان من تقتله هذا بريئ أو مذنب ، المهم أنه لا قيمة له لا عند حكومة بلده – كما في افغانستان وباكستان- ولا عند المحتل الامريكي او الفرنسي او الالماني ، لان القوة هناك متعددة وجامعة لكل الدول التى إنخرطت فيها ، وفي المقابل فان الجندي الذي يقتل في هلمند كل يوم بواسطة لغم أرضي لا يعرف شكل قاتله ولا لباسه ، وكذلك الصحفي او الرياضي او السائح الغربي الذي يتم خطفه في مجاهل إفريقيه لا يعرف ما هو ذنبه بالضبط ولا يعرف وراء أي شجره يكمن خاطفه ليقتاده الى وكر يمضي فيه أشهرا طويله قبل أن يتمكن الوسطاء من إطلاق سراحه بعد دفع مبالغ كبيره يعاد إستخدامها في تجنيد وإعداء المعركة القادمه بين الطرفين .
إنها حرب كونيه لا مكان محدد لوقوعها ، لان ساحة الكرة الارضية كلها هي الساحه . ولكن بؤرتها الحقيقيه هي في ساحات المسجد الاقصى وفلسطين ، وكل ما عدا ذلك إنما هو رجع الصدى لتلك المعركة الاصلية بين الاسلام وبين المغتصب المدعوم من كل دول الارض تقريبا ، أمريكا هي المحرك الاصلي لجوقة الحلفاء الذين يسيرون خلفها مغمضين او غير مغمضين ولكنهم في النهاية جميعا متورطين فيها ، ولا يعرف أحد متى يمكن ان يجلس الطرفان الى طاولة يعرف كل واحد منهما ملامح وجه الاخر دون ان يكون هناك تفجير او طائرة بدون طيار .
ما حصل في الاسكندرية وقبلها في بغداد مؤلم ومؤثر وكبير ، لا شك أن ضحاياه لا علاقة لهم بما يحصل في ساحات القتال ، ولكنهم محسوبون بشكل او آخر على هذا الطرف او ذاك من أطراف الصراع ، وهم بذلك يدفعون فاتورة لا علاقة مباشرة لهم بها ، تماما كما يدفعها سكان الخيم والبيوت الطينيه في مجاهل أفغانستان وباكستان الذين تقصفهم الطائرات كل يوم بحجة أنهم يدعمون تمرد طالبان ، ودماء هؤلاء وأولئك يجب أن يكون لها نفس القيمة الانسانيه ، كما أنّ نفس القيمة يجب أن تكون للجندي الذي يقتل في هلمند بعيدا عن أرضه ، والعربي الذي يقتل في غزني بعيدا عن أرضه في تلك المعركة التى فاقت كل الحدود وبلغت مدى لم يكن أحد ليتخيله أبدا .
لم تعد المعارك والمواجهات التاريخيه أبدا كما كانت من قبل سيفا لسيف ورمحا لرمح كما في حطين او عين جالوت او القادسيه ، وإنما صارت حربا كونية لا تعترف بالحدود ولا بالمباح وغير المباح من السلاح ولا بنوعية الضحايا هل هم محاربين أو مسالمين ، ولا تعترف بالاخلاق اصلا ، ولا قانون فيها الا قانون القوة والبطش وأول من بدأ بها هو المستبد المسعتمر المتغطرس القادم من وراء البحار يحمل معه الطمع والجشع وحب إستذلال الاخرين ، ولكنها مهما طالت واستطالت فلا بد من نهاية لها لا نشك ابدا انها لصالح الحق والعدل والخير ، ولا من بد ان نشعر بالاسى للضحايا الابرياء من كلا الطرفين : قتلى الكنائس في بغداد ومصر وشهداء القبور الطينيه في مجاهل افغانستان ، وباكستان والقائمة ما تزال مرشحة للمزيد من هؤلاء على الجانبين .< br />علي الاحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *